أعرض عن الحقِّ، وتصدَّق بالقليل. {وَكْدَى} أي قطع عطاءَه.{أَعِندُهُ عِلْمُ الْغَيْبِ فهُوَ يَرَى}.{فَهُوَ يَرَى}: فهو يعلم صِحَّةً ذلك. يقال: هو المنافق الذي يُعين على الجهاد قليلاً ثم يقطع ذلك: {أَعِندُهُ عِلْمُ الْغَيْبِ}: فهو يرى حاله في الآخرة؟{أَمْ لَمْ يُنَبَأْ بِمَا فِى صُحُفِ مُوسَى وَِإبْرَاهِيمَ الَّذَِى وَفَّى}.أم لم يُنَبَأْ هذا الكافرُ بما في صحف موسى، وصحف إبارهيم الذي وفّى؛ أي أتمَّ ما طُولِبَ به في نَفْسِه ومالِه ووَلدِه.قوله جلّ ذكره: {أَلاََّ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى وَأَن لَّيْسَ للإِنْسَانِ إِلاَّ مَا سَعَى وَأَنَّ سَعْيَهُ سَوْفَ يُرَى ثُمَّ يُجْزَاهُ الْجَزَآءَ الأَوْفَى}.الناسُ في سَعْيِهم مختلِفون؛ فَمَنْ كان سعيُهُ في طلب الدنيا خَسِرت صفقتُه، ومن كان سعيُهُ في طَلَبِ الجنة ربحت صفقته، ومن كان سعيُهُ في رياضة نَفْسِه وصل إلى رضوان الله، ومَنْ كان سعيُه في الإرادة شَكَرَ اللَّهُ سَعْيَه ثم هداه إلى نَفْسِه.وأمَّا المُذْنِبُ- فإِذا كان سعيُهُ في طلب غفرانه، ونَدَمِ القلبِ على ما اسودَّ من ديوانه، فسوف يجد من الله الثوابَ والقربة والكرامة والزلفة.ومَنْ كان سَعْيُه في عَدِّ أنفاسِه مع الله؛ لا يُعَرِّج على تقصير، ولا يُفَرِّط في مأمور فسيرى جزاءَ سَعْيهِ مشكوراً في الدنيا والآخرة، ثم يشكره بأَنْ يُخاطِبَه في ذلك المعنى بإِسماعهِ كلامَه من غير واسطة: عبدي، سَعْيُك مشكور، عبدي، ذَنْبُكَ مغفور.{ثُمَّ يُجْزَاهُ الْجَزَاءَ الأَوْفَى}: هو الجزاءُ الأكبرُ والأَجَلُّ، جزاءٌ غير مقطوعٍ ولا ممنوعٍ.قوله جلّ ذكره: {وَأَنَّ إِلَى رَبِّكَ الْمُنتُهَى}.إليه المرجعُ والمصيرُ، فابتداءُ الأشياءِ من الله خَلْقاً. وانتهاءُ الأشياءِ إلى الله مصيراً.ويقال: إذا انتهى الكلامُ إلى اللَّهِ تعالى فاسْكُتُوا.ويقال: إذا وَصَلَ العبدُ إلى معرفةِ الله فليس بعدَه شيءٌ إلا ألطافاً من مالٍ أو منالٍ أو تحقيق آمالٍ أو أحولٍ يُجْريها على مرادِه- وهي حظوظٌ للعباد.